الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية يتسارع: كندا تنضم للزخم العالمي وتحذر من “تلاشي حل الدولتين” وسط تحذيرات أممية من كارثة إنسانية في غزة

في خطوة لافتة تحمل دلالات سياسية وإنسانية كبرى، أعلنت كندا نيتها الاعتراف بدولة فلسطين رسميًا خلال الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل، لتنضم إلى كل من فرنسا وبريطانيا اللتين عبرتا أيضًا عن عزمهما اتخاذ الخطوة ذاتها. ويأتي هذا الحراك الدبلوماسي وسط تحذيرات منظمات الأمم المتحدة من كارثة إنسانية متفاقمة في قطاع غزة بسبب الحصار الإسرائيلي المستمر منذ مارس، والذي تسبّب في انتشار الجوع وسوء التغذية والنقص الحاد في الإمدادات الحيوية.
وقال رئيس الوزراء الكندي، مارك كارني، خلال مؤتمر صحفي في أوتاوا، إن بلاده تؤمن بأن “حل الدولتين” هو السبيل الوحيد لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المستمر منذ عقود. وأكد أن الاعتراف بدولة فلسطين يجب أن يكون مصحوبًا بإصلاحات داخلية تشمل تنظيم انتخابات عامة في 2026، ونزع سلاح الدولة الفلسطينية، واستبعاد حركة حماس من أي دور سياسي أو أمني.
وأوضح كارني أن هذا التوجه يعكس قناعة كندا بأن النافذة لحل الدولتين بدأت تضيق، في وقت تتزايد فيه الانتهاكات في الأراضي الفلسطينية، وتتدهور فيه الأوضاع بشكل غير مسبوق في قطاع غزة. وانتقد بشدة موقف الحكومة الإسرائيلية، محذرًا من تهاونها وسماحها بحدوث “كارثة إنسانية”.
في المقابل، جاء الرد الإسرائيلي سريعًا، حيث أعلنت وزارة الخارجية في بيان رسمي رفضها التام للموقف الكندي، معتبرةً إياه “مكافأة لحماس”، ويضر بجهود التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار في غزة، إضافة إلى عرقلته جهود إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في القطاع.
تهديدات أمريكية لكندا
الجدل اتسع ليصل إلى البيت الأبيض، حيث هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كندا عبر منصة “تروث سوشيال”، معتبرًا أن إعلان أوتاوا دعمها لفلسطين سيجعل “التوصل إلى اتفاق تجاري مع كندا أمرًا صعبًا جدًا”. وأكد ترامب أن التوقيت الكندي “يعقّد المفاوضات ولا يخدم مسار التهدئة في الشرق الأوسط”.
فرنسا ترحب وتدعو إلى توسيع الزخم
من جهتها، رحبت فرنسا بالخطوة الكندية، وقال قصر الإليزيه في بيان إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تحدث مع كارني بشأن التحرك المشترك لدفع عملية السلام. وأكد البيان أن باريس ستواصل جهودها من أجل انضمام مزيد من الدول لهذا المسار، من خلال التحضيرات الجارية لأعمال الجمعية العامة المقبلة.
ردود أفعال فلسطينية مرحبة
وعلى الجانب الفلسطيني، وصف الرئيس محمود عباس قرار كندا بـ”الموقف التاريخي”، مشيدًا بما سماه “لحظة مفصلية لإنقاذ حل الدولتين وإعادة الأمل بتحقيق السلام العادل والشامل”. ودعا عباس الدول التي لم تعترف بعد بدولة فلسطين إلى أن تحذو حذو كندا، من أجل إنهاء الاحتلال وتجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
كما شدد على ضرورة البدء الفوري في جهود إعادة إعمار غزة، مؤكدًا أن الاعتراف الدولي المتزايد بدولة فلسطين هو المفتاح لتحقيق الاستقرار، وإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني.
تحذيرات أممية من كارثة في غزة
وفي السياق ذاته، أصدرت وكالات تابعة للأمم المتحدة تحذيرات جديدة بشأن تدهور الوضع الإنساني في قطاع غزة، مشيرة إلى أن الجوع الحاد، وسوء التغذية، وانهيار الخدمات الأساسية، بلغ مستويات كارثية، وسط استمرار الحصار الإسرائيلي وتوقف معظم المساعدات الإنسانية. وأشارت التقارير إلى أن الوضع في القطاع هو الأسوأ منذ عقود، مع تعطل منظومات الصحة والتعليم والمياه بشكل شبه كلي.
زخم سياسي وتحرك دبلوماسي
التحركات الدولية الأخيرة تشير إلى تزايد الزخم السياسي تجاه الاعتراف بدولة فلسطين كوسيلة لإحياء عملية السلام وتحقيق الاستقرار في المنطقة. فمع تقارب المواقف الأوروبية والكندية، وتنامي الانتقادات الدولية لسياسات إسرائيل في غزة، يبدو أن المجتمع الدولي بات أكثر جرأة في طرح بدائل ملموسة على الأرض، بعيدًا عن الاكتفاء بالشجب والإدانة.