الرئيس السيسي يستقبل البرهان لدعم استقرار السودان وتعزيز التعاون الثنائي

في لقاء يحمل دلالات استراتيجية عميقة، استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني، في قصر الاتحادية بالقاهرة. تأتي هذه الزيارة في إطار الجهود المكثفة لدعم مسار الاستقرار في السودان وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين، بالإضافة إلى التشاور بشأن عدد من القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك.
تتناول هذه القمة الحيوية ملفات متعددة تتعلق بالأوضاع الراهنة في السودان، الذي يمر بمرحلة دقيقة من تاريخه السياسي والاقتصادي والأمني، كما تأتي في توقيت حساس تشهد فيه المنطقة تغيرات وتحولات تتطلب مزيداً من التنسيق والتعاون.
منذ اندلاع الأزمات المتلاحقة في السودان، لم تتوقف مصر عن دعم جهود التسوية السلمية وحل النزاعات الداخلية عبر الحوار، إيمانًا منها بوحدة السودان وسلامة أراضيه وأمن شعبه، الذي تربطه بمصر روابط تاريخية وجغرافية وثقافية ضاربة في القدم. وخلال لقائه بالبرهان، شدد الرئيس السيسي على ضرورة تكثيف الجهود لضمان استئناف تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، والعمل على إحياء المسار السياسي السلمي بما يكفل الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية، وحماية مقدراتها، ومنع انزلاقها نحو مزيد من العنف وعدم الاستقرار.
لم يقتصر اللقاء على بحث الملفات الأمنية فقط، بل امتد ليشمل سبل دفع التعاون الثنائي في مختلف المجالات الاقتصادية، والتنموية، والإنسانية. إذ أكد الجانبان أهمية تطوير المشروعات المشتركة بين البلدين، بما يحقق مصالح الشعبين، لا سيما في مجالات الطاقة، والزراعة، والبنية التحتية، والنقل. كما تم التأكيد على دعم المبادرات الإنسانية لتخفيف معاناة السودانيين المتضررين من الصراع، سواء داخل السودان أو في أماكن اللجوء المؤقت بالدول المجاورة، وعلى رأسها مصر، التي تستضيف مئات الآلاف من الأشقاء السودانيين.
العلاقات المصرية السودانية ليست مجرد علاقات جوار جغرافي، بل هي شراكة استراتيجية ومصير مشترك، جسدته عقود طويلة من التفاعل السياسي والثقافي والاجتماعي. وقد استعرض الزعيمان خلال اللقاء تطورات المشروعات الكبرى المشتركة، مثل الربط الكهربائي، ومشروعات النقل البري والنهرى، وتسهيل حركة الأفراد والبضائع عبر المعابر الحدودية.
وعلى صعيد آخر، اتفق الطرفان على أهمية استمرار التنسيق المشترك بشأن قضايا الأمن المائي، خاصة في ظل التحديات المرتبطة بسد النهضة، حيث شدد الرئيس السيسي على ضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم وعادل حول ملء وتشغيل السد، بما يحفظ الحقوق المائية لكل من مصر والسودان.
لم تغب القضايا الإقليمية والدولية عن طاولة المباحثات بين السيسي والبرهان. فقد تبادل الطرفان الرؤى حول الأوضاع في المنطقة، وعلى رأسها الأزمة في قطاع غزة، وتطورات الأوضاع في ليبيا، والقرن الأفريقي. وأكد الجانبان أهمية العمل العربي المشترك في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، وضرورة استعادة زمام المبادرة عبر آليات العمل الجماعي، بما يحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة.
كما تناولت المباحثات أهمية الدور الذي تلعبه المنظمات الإقليمية، مثل جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي، في دعم عمليات السلام وحل النزاعات بالطرق السلمية.
يحمل لقاء اليوم عدة رسائل مهمة، أبرزها:
1. التأكيد على وحدة السودان واستقلاله، ورفض أي تدخل خارجي في شؤونه الداخلية.
2. دعم مصر الكامل لجهود المصالحة الوطنية السودانية، من خلال الحوار الشامل الذي يضمن مشاركة كافة الأطراف الفاعلة.
3. التشديد على أهمية تعزيز العلاقات الثنائية في شتى المجالات، بما يتجاوز الظروف الراهنة إلى تأسيس شراكة دائمة واستراتيجية.
4. إبراز الدور المصري القيادي في دعم قضايا الأمن والاستقرار الإقليمي، سواء في السودان أو في المنطقة العربية والأفريقية الأوسع.
يتوقع المراقبون أن تسهم نتائج هذا اللقاء في إعطاء دفعة قوية للجهود الرامية إلى إنهاء الصراع في السودان، وإطلاق عملية سياسية شاملة تفضي إلى تشكيل حكومة مدنية تعبر عن تطلعات الشعب السوداني في الحرية والسلام والعدالة.
كما أن تعزيز العلاقات الاقتصادية والتنموية بين مصر والسودان من شأنه أن يفتح آفاقاً جديدة للتكامل الإقليمي، خاصة في ظل ما تتمتع به الدولتان من إمكانات طبيعية وبشرية ضخمة، تؤهلهما للقيام بدور محوري في صياغة مستقبل مشرق للمنطقة بأسرها.
إن لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي مع الفريق أول عبد الفتاح البرهان اليوم، يعكس عمق الروابط بين مصر والسودان، وحرص القاهرة الدائم على أن يكون السودان آمنًا ومستقرًا ومزدهرًا. فالاستقرار السوداني جزء لا يتجزأ من استقرار مصر والمنطقة ككل، والتعاون بين القاهرة والخرطوم يمثل حجر الزاوية لأي مشروع طموح للتنمية والسلام في شرق أفريقيا والعالم العربي.
وفي وقت تتزايد فيه التحديات الإقليمية والدولية، تبرز أهمية هذا النوع من اللقاءات التي تجدد التأكيد على مبادئ التعاون، والحوار، والعمل المشترك من أجل مستقبل أفضل لشعوب المنطقة.