مقتل محمد قبيسي قائد الوحدة الصاروخية بحزب الله في تصعيد إسرائيلي جديد

في تصعيد جديد للتوترات بين إسرائيل وحزب الله، أعلن الجيش الإسرائيلي عن تنفيذ غارة جوية في الضاحية الجنوبية لبيروت، أدت إلى مقتل عدد من القيادات البارزة في حزب الله، من بينهم محمد قبيسي، قائد الوحدة الصاروخية في الحزب. هذه الغارة التي نُفذت يوم الثلاثاء الماضي، استهدفت أيضًا نائبه عباس إبراهيم شرف الدين، والمسؤول عن منظومة الصواريخ حسين هاني. يأتي هذا التطور في سياق الصراع المستمر بين إسرائيل وحزب الله، والذي يشهد بين الفينة والأخرى مواجهات عسكرية مباشرة وغير مباشرة.

 

 

 

بحسب إذاعة الجيش الإسرائيلي، فإن العملية التي تمت في منطقة الغبيري، أحد الأحياء المكتظة في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، كانت عملية اغتيال مستهدفة. كان الهدف الرئيسي للغارة هو محمد حسين سرور المعروف بلقب “أبو صالح”، والذي يشغل منصب قائد الوحدة الجوية في حزب الله. هذا الهجوم أسفر عن تدمير طابقين من مبنى سكني، مما أدى إلى مقتل ستة أشخاص على الأقل وإصابة 15 آخرين بجروح، بحسب ما أفادت به السلطات اللبنانية.

 

 

 

تُعد الضاحية الجنوبية لبيروت من المعاقل الرئيسية لحزب الله، وهي منطقة تضم العديد من المنشآت السكنية والمدنية، إلى جانب مقار الحزب الأمنية والعسكرية. ورغم الكثافة السكانية الكبيرة في المنطقة، فإنها تتعرض بين الحين والآخر إلى غارات جوية أو هجمات موجهة من قبل إسرائيل، التي تعتبر حزب الله تهديدًا رئيسيًا لأمنها القومي. وفي هذا السياق، تأتي الغارة الأخيرة لتؤكد أن الصراع بين الطرفين قد بلغ مستويات جديدة من التصعيد، مع استهداف مباشر للقيادات العسكرية البارزة في الحزب.

 

 

 

الغارة الجوية الأخيرة ليست مجرد حادثة عابرة في الصراع الإسرائيلي مع حزب الله، بل تأتي في إطار استراتيجية إسرائيلية قديمة تقوم على استهداف القيادات الميدانية والمخططين العسكريين في الحزب. فمنذ حرب تموز 2006، تركز إسرائيل على تحجيم قوة حزب الله العسكرية عبر تنفيذ عمليات اغتيال دقيقة، تعتمد فيها على معلومات استخباراتية دقيقة وقدرات جوية متطورة. وفي هذا السياق، فإن مقتل محمد قبيسي ونائبه عباس إبراهيم شرف الدين يمثل ضربة قوية للحزب، خاصة وأنهما كانا على رأس مسؤوليات تتعلق بالقدرات الصاروخية للحزب، والتي تُعد من أكبر مصادر القلق بالنسبة لإسرائيل.

 

 

 

تاريخياً، يعتمد حزب الله على منظومة صاروخية متطورة تشمل صواريخ قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، والتي تُستخدم كأداة رئيسية في مواجهته مع إسرائيل. وتعتبر إسرائيل أن هذه الصواريخ تشكل تهديداً كبيراً، خاصة تلك التي يمكن أن تصل إلى العمق الإسرائيلي. لذلك، فإن استهداف قيادات مسؤولة عن هذه المنظومة يُعد هدفًا استراتيجيًا بالنسبة لإسرائيل. ويبدو أن العملية الأخيرة جاءت في هذا السياق، حيث استهدفت بشكل مباشر قيادات مسؤولة عن تطوير وإدارة هذه القدرات الصاروخية.

 

 

 

من جانبها، لم يصدر حتى الآن أي رد رسمي من حزب الله حول الحادثة، ولكن الحزب معروف برده على مثل هذه الهجمات عبر تصعيد العمليات العسكرية ضد إسرائيل، سواء كان ذلك من خلال إطلاق صواريخ على المستوطنات الحدودية أو عبر تنفيذ هجمات عبر الحدود. ويثير هذا الحادث مخاوف من احتمال تصاعد الأمور إلى مواجهة أوسع بين الطرفين، خاصة في ظل التوترات المتزايدة على الحدود اللبنانية الإسرائيلية.

 

 

 

من جهة أخرى، تأتي هذه الغارة في وقت يشهد فيه لبنان حالة من الفوضى السياسية والاقتصادية، مما يجعل الوضع أكثر تعقيداً. فالبلاد تعيش أزمة اقتصادية خانقة إلى جانب أزمة سياسية مستمرة منذ سنوات، وهو ما قد يؤثر على قدرة حزب الله على الرد الفوري على الهجمات الإسرائيلية. ورغم ذلك، فإن الحزب يملك سجلًا طويلاً من الانتقام والردود العسكرية المتأخرة، مما يجعل إسرائيل في حالة تأهب مستمر لأي تصعيد محتمل.

 

 

 

إسرائيل بدورها لم تتوقف عن متابعة أنشطة حزب الله داخل وخارج لبنان. فالحزب الذي يتمتع بدعم مباشر من إيران، يُعتبر ذراعًا رئيسية لطهران في منطقة الشرق الأوسط، حيث يلعب دورًا مهمًا في الحروب بالوكالة التي تخوضها إيران ضد خصومها الإقليميين والدوليين. وقد جعل هذا الدعم الإيراني من حزب الله قوة لا يُستهان بها، سواء في الصراع مع إسرائيل أو في تدخلاته العسكرية في دول مثل سوريا واليمن والعراق. ولكن هذا الدعم يأتي أيضًا مع تكاليف، حيث أن تورط الحزب في هذه الصراعات قد جعله هدفًا أساسيًا لعمليات الاغتيال والتصفية التي تنفذها إسرائيل وحلفاؤها.

 

 

 

مع كل هذا التصعيد، يبقى السؤال الأهم هو: هل ستؤدي هذه الغارة إلى تصعيد أكبر بين إسرائيل وحزب الله؟ وهل ستندلع مواجهة عسكرية جديدة على الحدود بين البلدين؟ الإجابة على هذا السؤال تعتمد بشكل كبير على رد فعل حزب الله. ففي الماضي، كان الحزب يتجنب الرد الفوري على هجمات إسرائيلية من هذا النوع، مفضلاً اختيار التوقيت المناسب للرد. ومع ذلك، فإن تزايد عدد القتلى في صفوف الحزب نتيجة لهذه العمليات قد يدفعه إلى اتخاذ خطوات تصعيدية، سواء عبر شن هجمات مباشرة على إسرائيل أو من خلال استهداف مصالح إسرائيلية في الخارج.

 

 

 

تأتي هذه الغارة كجزء من صراع مستمر ومعقد بين إسرائيل وحزب الله. ورغم محاولات التهدئة الدولية والإقليمية، فإن التصعيد المستمر على الأرض يعكس حجم التوتر الكبير بين الطرفين. ومن الواضح أن إسرائيل لن تتوانى عن استهداف أي تهديد مباشر لأمنها القومي، خاصة إذا كان هذا التهديد يتعلق بمنظومة الصواريخ التي يمتلكها حزب الله. في المقابل، فإن حزب الله، رغم الضغوط الاقتصادية والسياسية التي يواجهها في لبنان، سيظل مصممًا على الرد على أي هجوم يستهدف قياداته أو منشآته، مما يجعل المنطقة دائمًا على شفا مواجهة عسكرية محتملة.

 

 

 

إلى أن تتضح الصورة بشكل كامل حول رد فعل حزب الله وما إذا كان سيختار الرد الآن أو لاحقاً، فإن الغارة الإسرائيلية التي استهدفت قيادات حزب الله في بيروت تظل مؤشرًا خطيرًا على استمرار التصعيد في المنطقة. التصعيد الذي قد يجر لبنان والمنطقة برمتها إلى مواجهات جديدة في وقت يحتاج فيه الجميع إلى الاستقرار أكثر من أي وقت مضى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى