بعد القبض على رورو البلد: هل مواقع التواصل أصبحت ساحة للفن أم ساحة للفوضى؟

في مشهد يعكس الصدام المتواصل بين حرية التعبير ومقتضيات القيم المجتمعية، ألقت أجهزة الأمن بمحافظة الجيزة القبض على البلوجر المعروفة إعلاميًا باسم “رورو البلد”، بعد تداول عدد من مقاطع الفيديو التي وصفت بأنها خادشة للحياء وتحرض على سلوكيات غير منضبطة، في انتهاك واضح لقيم المجتمع المصري وتقاليده.
تفاصيل القبض والتحقيقات الجارية
نفذت مأمورية أمنية موسعة فجر الجمعة، استهدفت عدة أماكن يُعتقد أن المتهمة تتردد عليها، وأسفرت عن ضبطها. وبعد عرضها على جهات التحقيق، وُجهت إليها تهم تتعلق بنشر محتوى غير لائق عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتحريض صريح على تصرفات يُنظر إليها كإخلال بالقيم الأسرية.
المثير للجدل، أن المتهمة دافعت عن نفسها خلال التحقيقات قائلة: “المسلسلات في التلفزيون فيها نفس الرقص، أشمعني أنا؟”، في إشارة إلى ما تراه ازدواجية في المعايير بين ما يُعرض رسميًا على الشاشات وبين ما يُلاحق عبر المنصات الرقمية.
صراع القيم وحدود الحرية
يثير هذا الحادث جملة من التساؤلات حول الخط الرفيع الذي يفصل بين حرية التعبير وبين تجاوز الخطوط الحمراء في المجتمعات المحافظة. فبينما يرى البعض أن “رورو البلد” لم تفعل سوى ما يُعرض يوميًا في مشاهد درامية أو عبر كليبات الأغاني، يعتبر آخرون أن طبيعة المحتوى الذي تبثه على منصاتها يخرج عن إطار الفن ليتحول إلى إثارة رخيصة هدفها جمع المشاهدات والربح.
ويرى خبراء قانونيون أن الدفاع بـ”أشمعني هما” لا يُعتد به قانونًا، لأن المساءلة تُبنى على وقائع محددة، وليس بمقارنة مع محتوى آخر، حتى لو وُجدت تشابهات ظاهرية.
الشهرة السريعة والسطحية
تعكس حالة “رورو البلد” ظاهرة صاعدة في العالم العربي، حيث تحوّلت وسائل التواصل الاجتماعي إلى مسرح للباحثين عن الشهرة بأي ثمن، حتى لو كان على حساب القيم المجتمعية أو القانون. وتؤكد الإحصائيات أن نسبة كبيرة من المؤثرين الجدد على المنصات لا يمتلكون أي موهبة حقيقية، بل يعتمدون على الجدل والإثارة لجذب المتابعين وتحقيق الأرباح من الإعلانات والرعايات.
القانون المصري ومكافحة المحتوى المخل
بحسب مواد قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية رقم 175 لسنة 2018، فإن نشر محتوى غير لائق أو تحريضي يمكن أن يُعرض صاحبه لعقوبات تتراوح بين الغرامة والسجن، لا سيما إذا ما ثبت أن المحتوى يمثل تهديدًا للسلم الاجتماعي أو يخل بالآداب العامة.
ووفقًا للنيابة، فإن ما تم بثه عبر حسابات المتهمة يندرج تحت بند “التحريض على الفجور”، وهي تهمة قد تصل عقوبتها إلى الحبس لعدة سنوات، وفقًا لمدى تأثير المحتوى وعدد المتابعين، ما يُصنف تحت بند “الجرائم المؤثرة على الرأي العام”.
رأي المجتمع.. بين الرافض والمتعاطف
على منصات التواصل، انقسم الجمهور بين من يرى أن القبض على “رورو البلد” ضروري لكبح فوضى المحتوى الرخيص، ومن يعتبر أن في الأمر تضييقًا على حرية التعبير، خاصة إذا قورن بمحتوى مشابه يُعرض في أعمال فنية رسمية. وقد غصت صفحات مواقع التواصل بالتعليقات، التي تراوحت بين السخرية، والتأييد، والتساؤلات عن المعايير التي تحدد ما هو مقبول وما هو مرفوض.
هل “رورو البلد” ظاهرة أم عرض لظاهرة؟
يؤكد متخصصون في علم الاجتماع أن “رورو البلد” ليست ظاهرة بحد ذاتها، بل انعكاس لواقع ثقافي جديد، حيث تغيّر مفهوم النجومية، وتحول من الموهبة إلى الجاذبية اللحظية. كما أن الكثير من الشباب بات يرى في الشهرة الرقمية وسيلة للهروب من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، حتى لو تطلب الأمر خرق القواعد المجتمعية أو التلاعب بالذوق العام.
المطلوب: تنظيم لا قمع
في ضوء هذه الأحداث، تتجدد المطالب بوضع إطار قانوني وثقافي يوازن بين حرية التعبير وحماية القيم المجتمعية، دون الوقوع في فخ القمع أو ازدواجية المعايير. فالمجتمع بحاجة إلى إعادة تعريف واضحة لما هو فني وما هو مخل، وما هو حرية وما هو فوضى.
ينبغي أن تكون هناك رقابة ذكية وليست فقط بوليسية، رقابة تُعلي من الذوق العام، وتحمي القاصرين، وتُحاسب المسيئين بعدالة، دون أن تسكت الأصوات التي تحمل رأيًا مختلفًا ولكن محترمًا.
ختامًا: بين الحقيقة والصورة
لا تزال قضية “رورو البلد” مفتوحة على احتمالات كثيرة، لكن المؤكد أنها تفتح الباب على مصراعيه أمام نقاش طويل حول دور الفن، حدود الحرية، وتأثير السوشيال ميديا على الذوق العام. هي ليست أول من يُتهم، وربما لن تكون الأخيرة، لكن يبقى السؤال: هل نحن نواجه الظواهر بشكل جذري، أم نكتفي بالملاحقة الفردية دون معالجة الأسباب العميقة؟