السيسي في جيبوتي: علاقات استثنائيةوتنسيق مشترك في قضايا البحر الأحمر والقرن الإفريقي

في مستهل زيارة رسمية تحمل في طياتها أبعادًا استراتيجية وسياسية واقتصادية، وصل الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى جمهورية جيبوتي، حيث كان في استقباله الرئيس إسماعيل عمر جيله، وعدد من كبار المسؤولين الجيبوتيين، في لحظة تعكس عمق العلاقات التاريخية والمصالح المشتركة التي تجمع بين البلدين الشقيقين.
وتأتي هذه الزيارة في توقيت حساس تمر به المنطقة، سواء على مستوى التحديات الأمنية في البحر الأحمر، أو الأوضاع المتقلبة في منطقة القرن الإفريقي، إلى جانب التحولات الاقتصادية الإقليمية التي تفرض مزيدًا من التعاون والتنسيق بين الدول ذات الموقع الجغرافي المؤثر مثل مصر وجيبوتي.
في أول لقاء رسمي جمع الرئيسين السيسي وجيله، تم التأكيد على عمق العلاقات الثنائية والحرص المشترك على تطويرها في كافة المجالات. وقد شدد الرئيس السيسي خلال المباحثات على أهمية تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري، بما يحقق المنفعة المتبادلة ويعزز من قدرات البلدين على مواجهة التحديات التنموية.
وتطرق الجانبان إلى أهمية تنسيق المواقف بشأن التطورات الإقليمية، لا سيما في البحر الأحمر، الذي يشكل شريانًا حيويًا للتجارة العالمية، ويعد أمنه واستقراره مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الدول المشاطئة له. كما ناقش الرئيسان سبل تعزيز العمل المشترك لمكافحة التهديدات الأمنية، مثل القرصنة وتهريب السلاح والهجرة غير الشرعية.
من المتوقع أن تسفر الزيارة عن توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في مجالات البنية التحتية والطاقة والنقل، بما يدعم رؤية جيبوتي التنموية، ويعزز من دور الشركات المصرية في تنفيذ مشروعات حيوية في الدولة الشقيقة.
وتولي مصر اهتمامًا خاصًا بدعم القدرات الفنية والبشرية للدول الإفريقية، وفي هذا الإطار، أعرب الرئيس السيسي عن استعداد مصر لتقديم المزيد من المنح والبرامج التدريبية للكوادر الجيبوتية، ضمن برامج التعاون الفني التي تقدمها الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية.
البحر الأحمر ليس مجرد ممر مائي استراتيجي، بل يمثل مصدرًا لمصالح أمنية واقتصادية ضخمة لمصر وجيبوتي على حد سواء. وفي ظل التوترات المتصاعدة في المنطقة، ناقش الزعيمان ضرورة تعزيز آليات التنسيق المشترك بين الدول المشاطئة لهذا البحر الحيوي.
ويأتي هذا في وقت تتزايد فيه الدعوات لتبني رؤية جماعية تضمن حماية حرية الملاحة، والحفاظ على الاستقرار الأمني، وتعزيز الاستثمارات في الموانئ والبنية التحتية البحرية، وهو ما يدفع نحو ضرورة تقوية أطر التعاون بين مصر وجيبوتي كأحد أهم شركاء الضفة الإفريقية للبحر الأحمر.
منطقة القرن الإفريقي تشهد تحولات جذرية تتطلب حذرًا دبلوماسيًا وفاعلية في التواصل الإقليمي. وفي هذا السياق، أكدت زيارة الرئيس السيسي حرص مصر على الحضور الفاعل في هذه المنطقة، بما يتسق مع مكانتها ودورها التاريخي في دعم استقرار القارة.
وأكد الرئيسان على أهمية الحفاظ على وحدة الدول وسلامة أراضيها، ودعم الحلول السلمية للنزاعات، مع تعزيز جهود التنمية كعنصر أساسي لتحقيق الاستقرار.
ولم تغب الأبعاد الإنسانية والثقافية عن اللقاءات الرسمية، حيث شدد الجانبان على أهمية تعزيز التبادل الثقافي والتعليمي، وتوسيع نطاق المنح الدراسية المقدمة للطلاب الجيبوتيين للدراسة في الجامعات المصرية. كما تم التأكيد على أهمية دعم التعاون الإعلامي والثقافي، لتعزيز أواصر التفاهم بين الشعبين.
تعكس زيارة الرئيس السيسي إلى جيبوتي تحولًا نوعيًا في العلاقات بين البلدين، حيث لم تعد مقتصرة على مجاملات دبلوماسية، بل أصبحت تستند إلى رؤية عملية واضحة، تسعى إلى بناء شراكة استراتيجية تقوم على المصالح المشتركة، والتنمية المتبادلة، والتنسيق الإقليمي البناء.
وتُعد الزيارة بمثابة رسالة قوية تؤكد أن مصر تواصل دورها كدولة محورية في إفريقيا، حريصة على بناء علاقات متوازنة ومتكافئة مع شركائها في القارة، في إطار من التعاون والاحترام المتبادل.
فإن زيارة الرئيس السيسي إلى جيبوتي ليست مجرد محطة دبلوماسية عابرة، بل تمثل خطوة استراتيجية نحو بناء تحالفات إقليمية أكثر فاعلية، تعكس تطلعات الشعوب وتستجيب لتحديات الواقع، من أجل مستقبل أكثر أمنًا واستقرارًا ونماءً للقارة الإفريقية بأسرها.