ظل في بطنه 6 سنوات.. مستشفى الباطنة التخصصي ينجح في استخراج هاتف من معدة سجين بالدقهلية
وقت النشر : 2025/03/03 07:28:33 PM
في واقعة طبية نادرة أثارت دهشة الجميع، نجح فريق طبي بمستشفى الباطنة التخصصي التابع لجامعة المنصورة في محافظة الدقهلية بمصر في استخراج هاتف محمول من معدة سجين ظل محتجزًا داخله لمدة ست سنوات. هذه الحادثة، التي تُعد واحدة من أغرب القصص الطبية في السنوات الأخيرة، لم تكن مجرد تحدٍ طبي، بل كشفت عن قدرات متميزة للفريق الطبي، وأثارت تساؤلات حول كيفية حدوث مثل هذا الأمر وتأثيره على حياة المريض طوال هذه المدة الطويلة.
بداية القصة: كيف وصل الهاتف إلى المعدة؟
تبدأ القصة مع سجين في مدينة جمصة بمحافظة الدقهلية، حيث قرر منذ ست سنوات ابتلاع هاتف محمول صغير الحجم، على الأرجح لأسباب تتعلق بتهريبه إلى داخل السجن أو منعه من الوقوع في أيدي السلطات. لم يكن هذا الفعل مجرد تصرف متهور، بل كان قرارًا غير محسوب العواقب، أدى إلى سلسلة من المضاعفات الصحية التي لم تظهر بشكل واضح إلا بعد فترة طويلة.
ففي البداية، لم يشعر السجين بأعراض حادة، وربما ظن أن الجسم سيتمكن من التكيف مع وجود الجسم الغريب أو أنه سيخرج بشكل طبيعي عبر الجهاز الهضمي، لكن ذلك لم يحدث.
مع مرور الوقت، بدأت المشكلات الصحية تتفاقم. الهاتف، الذي استقر في معدة السجين، تسبب في التهابات مزمنة وقرح شديدة في جدار المعدة، مما أدى إلى آلام مستمرة وفقدان تدريجي للوزن وصل إلى أكثر من 30 كيلوجرامًا. تحول جسد السجين إلى حالة من الهزال الشديد، وبدأ يعاني من مضاعفات خطيرة تهدد حياته، لكنه لم يكن قادرًا على تحديد السبب الحقيقي وراء تدهور حالته الصحية، وربما لم يربطها مباشرة بابتلاع الهاتف قبل سنوات.
التشخيص: اكتشاف السر الغامض
لم يتم اكتشاف الوضع إلا بعد نقله إلى مستشفى الباطنة التخصصي بجامعة المنصورة، وهي واحدة من أبرز المؤسسات الطبية في دلتا مصر، والمعروفة بتقديم خدمات متميزة في مجال أمراض الباطنة والمناظير. عند وصول السجين إلى المستشفى، كان في حالة صحية متدهورة، واشتكى من آلام مزمنة في البطن، مع فقدان واضح للشهية ونقص حاد في الوزن. أجرى الأطباء فحوصات شاملة، بدءًا من التحاليل الروتينية وصولاً إلى الأشعة العادية والمقطعية على البطن.
كانت المفاجأة صادمة عندما كشفت الأشعة عن وجود جسم غريب معدني في المعدة، تبين لاحقًا أنه هاتف محمول. لم يكن الأمر مجرد اكتشاف عابر، بل كان تحديًا طبيًا كبيرًا، حيث أثبتت الفحوصات أن الهاتف ظل عالقًا في المعدة لمدة ست سنوات، متسببًا في أضرار جسيمة. التهابات المعدة والقرح الناتجة عن احتكاك الجسم الغريب بجدرانها كانت قد وصلت إلى مرحلة متقدمة، مما جعل التدخل الطبي أمرًا لا يحتمل التأخير.
العملية: تحدٍ طبي بامتياز
قرر الفريق الطبي بمستشفى الباطنة التخصصي، بقيادة نخبة من أساتذة كلية الطب بجامعة المنصورة، إجراء عملية استخراج الهاتف باستخدام تقنية المنظار، وهي طريقة تعتمد على إدخال أنبوب رفيع مزود بكاميرا وأدوات دقيقة عبر الفم إلى المعدة، دون الحاجة إلى جراحة تقليدية. كان هذا القرار جريئًا ومبتكرًا، لأن وجود جسم غريب بحجم هاتف محمول لمدة طويلة في المعدة يمكن أن يؤدي إلى تعقيدات تجعل المنظار غير كافٍ، وربما يتطلب فتح البطن جراحيًا.
استغرقت العملية ساعات من التركيز الشديد، حيث عمل الفريق بدقة متناهية للوصول إلى الهاتف واستخراجه دون التسبب في تمزق أو نزيف في جدار المعدة الملتهب. بفضل الخبرة العالية والتجهيزات المتطورة في المستشفى، تمكن الأطباء من إتمام العملية بنجاح، وسُحب الهاتف من المعدة دون الحاجة إلى تدخل جراحي مفتوح. كانت لحظة الانتهاء من العملية بمثابة انتصار كبير للفريق الطبي، الذي أثبت قدرته على التعامل مع حالات نادرة ومعقدة بكفاءة عالية.
ما بعد العملية: استعادة الأمل
بعد استخراج الهاتف، بدأ السجين في تلقي العلاج اللازم لمعالجة الالتهابات والقرح التي تركها الجسم الغريب في معدته. تحسنت حالته الصحية تدريجيًا، وغادر المستشفى بعد فترة من المتابعة الدقيقة. كانت هذه العملية بمثابة فرصة جديدة للحياة بالنسبة له، بعد سنوات من المعاناة الصامتة التي كادت أن تودي بحياته. النجاح في هذه الحالة لم يكن مجرد إنقاذ للمريض، بل شهادة على التقدم الطبي في مصر، وقدرة المؤسسات الأكاديمية مثل جامعة المنصورة على تقديم حلول مبتكرة لمشكلات غير تقليدية.
مستشفى الباطنة التخصصي: رمز التميز الطبي
تُعد مستشفى الباطنة التخصصي واحدة من أهم المنشآت الطبية في جامعة المنصورة، وهي معروفة بتخصصاتها الدقيقة في أمراض الباطنة، المناظير، والعناية المركزة. تضم المستشفى فرقًا طبية متميزة من أساتذة واستشاريين يمتلكون خبرة واسعة، بالإضافة إلى أحدث الأجهزة الطبية التي تتيح إجراء عمليات معقدة بأعلى معايير الجودة. هذه الحادثة ليست الأولى التي تبرز فيها المستشفى، فقد سبق لها أن نجحت في استخراج أجسام غريبة أخرى من أمعاء مرضى، لكن حالة الهاتف التي استمرت ست سنوات تظل الأكثر غرابة وتحديًا.
الدروس المستفادة
هذه الواقعة تثير العديد من التساؤلات والدروس. أولاً، تُبرز مخاطر ابتلاع الأجسام الغريبة، خاصة في بيئات مثل السجون حيث قد يلجأ البعض إلى مثل هذه الأفعال لأغراض غير مشروعة. ثانيًا، تُظهر أهمية الفحص الطبي الدوري، حيث كان من الممكن اكتشاف هذه المشكلة في وقت أبكر لو تم توفير رعاية صحية منتظمة للسجناء. ثالثًا، تؤكد قدرة الطب الحديث على تحقيق المعجزات عندما يجتمع الخبراء مع التكنولوجيا المتطورة.
في النهاية، تظل قصة استخراج الهاتف من معدة سجين بعد ست سنوات شهادة حية على براعة الفريق الطبي بمستشفى الباطنة التخصصي، وعلى قدرة الإنسان على مواجهة التحديات مهما كانت غريبة أو معقدة. إنها قصة تجمع بين الغرابة والإنجاز، وتتركنا مع إعجاب عميق بالطب وقدرته على إنقاذ الحياة، حتى في أصعب الظروف. لقد أعادت هذه الواقعة الأمل لمريض كاد يفقد حياته، وأثبتت أن العلم والإرادة يمكنهما تحقيق ما يبدو مستحيلاً.